عقوبة وصفت بـ “الثقيلة” أنزلتها غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بطنجة، في حق ثلاثة أشخاص بينهم جنديان من القوات المسلحة الملكية، بعدما تمت إدانتهما بـ 10 سنوات سجنا نافذا لكل واحد منهما، بعدما اقتنعت هيئة المحكمة خلال جلسة الثلاثاء، بما نسب إليهم في صك الاتهام الذي تضمن “تكوين عصابة إجرامية متخصصة في التهجير السري، والاتفاق مع أشخاص يرغبون في مغادرة التراب الوطني بطريقة غير شرعية، وتسهيل ومساعدتهم على ذلك”.
متابعة الجنديين في القوات المسلحة الملكية بفرقة حرس الحدود، والشخص الثالث في هذه القضية الجنائية، جاءت على إثر فاجعة غرق قارب مطاطي بمنطقة “هوارة” جنوب مدينة طنجة، شهر أبريل الماضي، حيث كان على متنه نحو 40 شخصا مغاربة وأجانب من دول إفريقية جنوب الصحراء، نجا منهم سوى ستة أشخاص، فيما لفظت أمواج البحر الباقين جثثا إلى اليابسة.
ونزل الحكم القضائي كـ”الصاعقة” على مسامع المتهمين وأقربائهم، حيث شرعت بعض النسوة في البكاء بشكل هستيري حسرة على القرار الذي سيحكم على إبقاء أفرادها في غياهب السجون لمدة طويلة، وذلك في انتظار ما سيسفر عنه الحكم القضائي في مرحلة الاستئناف.
من جهتهم تلقى أعضاء هيئة دفاع المتهمين قرار غرفة الجنايات بصدمة لا تخفى عن الأعين، حيث شوهد بعض المحامين يتواصلون مع أقارب المدانين في القضية، مبدين تأسفهم على ما اعتبروه حكما “قاسيا” و”ثقيلا”، لم تشفع فيه الاعتبارات الاجتماعية للجنود المتهمين، ولا اعتبارات الشك في صدقية أقوال المصرحين التي كانت عاملا أساسيا في اعتقالهم وتقديمهم للمحاكمة.
وظهر أن هيئة المحكمة بغرفة الجنايات الابتدائية، كونت قناعتها في هذه القضية بناء على ما راج في محاضر الضابطة القضائية من شهادات المصرحين، والقرائن التي اعتمد عليها قاضي التحقيق في متابعة المتهمين، لارتكابهم أفعالا تشكل جريمة في القانون الجنائي، في حين ركز دفاع المتهمين خلال مرافعاتهم الطويلة، على تفنيد ودحض ما جاء في قرار قاضي التحقيق. ولم تفلح مجهودات المحامين الذين قدموا مرافعات قوية في تحصيل مطلب البراءة لموكليهم، على الرغم من تركيزهم أثناء مناقشة وقائع القضية على ما اعتبروه “انعدام تطابق القرائن، وعدم وجود الركن المادي للجريمة، وغياب الأدلة”، باستثناء شهادات المصرحين الناجين من الفاجعة، والذين كان بينهم قاصر يبلغ من العمر 17 عاما، حيث جاء في أقوالهم عند الاستماع إليهم، أنهم قدموا مبالغ مالية بقيمة ثلاثة ملايين سنتيم للمتهمين، لتسهيل إجراءات الهجرة السرية في إحدى الليالي، والتي تصادفت مع تقلب أحوال الطقس وتساقط أمطار عاصفية، ومع ذلك تم إرغام المرشحين عنوة على ركوب أمواج البحر.
لكن الماثلين أمام هيئة المحكمة بغرفة الجنايات، خاصة العسكريين بالقوات المسلحة الملكية، ظلا متمسكين بإنكار علاقتهما بوقائع هذه العملية، وصرحا بأنهما تفاجآ في إحدى الليالي الماطرة خلال فصل الشتاء الماضي، بسماع أصوات صراخ تطلب النجدة في الشاطئ، وعندما توجها على وجه السرعة لمعرفة ما يحدث، وجدا مرشحين للهجرة غير الشرعية يصارعون أمواج البحر، وقدموا لهم يد المساعدة وتمكنوا من إنقاذ أرواح بعضهم.
ورد الجنديان العسكريان جوابا عن سؤال ممثل النيابة العامة، بخصوص مدى مسؤوليتهما التقصيرية في تأمين الشاطئ وحمايته من منظمي رحلات تهجير البشر، بأنهما كانا يحرسان بشكل معتاد من داخل مركز المراقبة بسبب الأمطار الغزيرة والاضطرابات الجوية، الأمر الذي حال دون انتباههما إلى تسلل المرشحين خلسة إلى الشاطئ، لكون المساحة التي يحرسونها تمتد على مسافة ستة كيلومترات، مؤكدان أنه سبق لهما أن قضيا سنوات طويلة في الصحراء يحرسان الثغور المغربية، ولم يسبق لهما أن تورطا في أي اختلالات في أداء مهمتهما، غير أن أقوالهما لم تفلح في إقناع هيئة المحكمة التي قررت إدانتهما بما نسب إليهما.