اعتمد مجلس الأمن منذ 2007 إطار المفاوضات من أجل الوصول إلى حل لنزاع الصحراء، وحدد في توجيهاته شكل المسألة وطبيعة الحل في كونه ذا صبغة سياسية ويتوافق عليه الطرفان ويقبلان به، ويتضمن في الوقت نفسه شكل تقرير.
غير أن المفاوضات المباشرة بين الطرفين توقفت منذ 2012، وبالضبط عند الجلسة الخامسة، وهذا التعليق سيطر على مضمون مجمل تقارير الأمين العام للأمم المتحدة السابق، بان كي مون، والتقرير الأول للأمين العام الحالي، أنطونيو جوتيريس؛ حيث الدعوة إلى استئنافها.
وغالبا ما تربط الأمم المتحدة دعوة الطرفين إلى استئناف المفاوضات، أو ضرورة الاستعداد لإجرائها، بحسن النية وبدون شروط، مع التحلي بالواقعية والرغبة في التسوية، وربطها بالغاية منها في إدراك الحل وجعل إحراز تقدم في وضعها الحالي أمرا أساسيا، وتحديها لطائل بتدخلها لمشاركتها في حالة عدم إدراكهما للهدف في عتبة أبريل 2015، بينما الآن تحث على مفاوضات مكثفة وبديناميكية جديدة طابعها الواقعية.
إلا أن انصرام عتبة أبريل 2015 دون تنفيذ من الأمم المتحدة لطائل حددته بمشاركتها الأطراف في صناعة الحل، لا يجب تأويله تخليا منها لخلاصاتها واستنتاجاتها؛ فهي تصف الوضع الحالي للنزاع في توقف المفاوضات بالمأزق، بل إن تقرير الأمين العام بتاريخ تضمن ملاحظة تشير إلى وجوب اتخاذ الجميع أطرافا مباشرة وملاحظين ومجلس الأمن نفسه لقرارات وصفها بالصعبة في حالة عدم الوصول إلى جوهر وشكل مسألة مجلس الأمن.
من أجل الأمن والتنمية الأمم المتحدة تتحمل عناء الصبر مع الأطراف
ويرجع حرص واهتمام مجلس الأمن بالنزاع إلى نظرته إليه المرتبطة بالأمن والسلم العالميين، الهدف الأساسي للأمم المتحدة، كما أن تحملها صبر مشاكسة الأطراف-وصلابتهم على مواقفهم وتشبتهم بمبادراتهم-وبحثها عن توافقهما على حل يجد سنده في كونه الركن الأساس لضمان استقرار المنطقة، وإن فرض حل لا يتفقان عليه ولا يقبلان به هو عودة إلى مربع الحرب والاقتتال، والأمر نفسه ينطبق على فرض حل لا يقبل به طرف واحد.
ولئن اعتبر هدف ضمان ديمومة أمن واستقرار المنطقة ونمائها إحدى الأسباب الرئيسية التي فرضت على الأمم المتحدة التريث المقترن بالتردد في الإعلان الرسمي لمقترحاتها، وحلولها، وتصوراتها الجديدة في نزاع الصحراء، والتي اشتغل عليها وأعدها خبراؤها، وهي مدققة وجاهزة، فإن شروطا أخرى لم يتم استكمالها داخل مجلس الأمن لإعلانها وإقرارها، وفرضها.
ذلك أن توافق واتفاق الدول الكبرى المحتكرة لحق النقض داخل مجلس الأمن، وهي أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين، شرط حتمي، ما دام رفض إحداها لها يسقطها آليا بسبب الفيتو الذي تتمتع به، وهذا القبول بها مطلوب أيضا من الدول أصدقاء الصحراء ودول الجوار، وخاصة الأوروبية، التي تؤثر حالة المنطقة في أمنها واستقرارها سلبا أو إيجابا.
ولا يعتبر تعديل الإطار القانوني لتدخل الأمم المتحدة في النزاع من الفصل السادس الحالي إلى السابع عائقا وعقبة في طرح أو فرض هذه الحلول في حالة حصول اتفاق أعضائه الدائمين حول خطة الحل؛ فذلك لا يشكل تعقيدا كبيرا، ما دام مجلس الأمن سيد نفسه في اتخاذ ما يراه جديرا لتحقيق أهداف خدمة الأمن والاستقرار، ولا يتأثر برفض الأطراف، ولا بعدم قبولهم. إلا أن هذا الانتقال والتغيير للإطار القانوني ضروري؛ لأنه الشكل الوحيد الذي يجيز لمجلس الأمن ويسمح له باستخدام القوة، وتطبيق العقوبات لتنفيذ قراراته.
الأمم المتحدة تعبر عن "الحل الوسط" لنزاع الصحراء دون تعريفه المانع للجهالة
وإذا كانت الأدلة والقرائن المؤيدة لإعداد ووجود هذه المقترحات الجديدة بخصوص الحل في نزاع الصحراء عديدة ومتنوعة، وموزعة في مصدرها بين ما هو مغربي أو من البوليساريو، وما تصدره أجهزة الأمم المتحدة نفسها من تقارير وقرارات، فإن شكل ومعالم الحل ووصفه المانع للجهالة، لم يتم الكشف عنه صراحة، رغم محاولات الأمين العام السابق ومبعوثه الشخصي المستقيل، كريستوفر روس، في السنة الأخيرة من ولايتهما لإقناع الأطراف بذلك، ووفقا للدال عليه في إشارات، أو تلميحات يستشف منها أنه "الحل الوسط".
والمقصود بالحل الوسط، هو الذي يوفق بين مبادرة المغرب بالحكم الذاتي، ومبادرة البوليساريو بالاستفتاء المفتوح على ثلاثة خيارات يتقدمها الاستقلال، فالانضمام ثم الحكم الذاتي، وهو ما يفسر دعوة مجلس الأمن الموجهة إلى الأطراف في قراره 2352 الأخير في 28 أبريل 2017 إلى توسيع مناقشة مبادرة الطرفين، ولا شك أن غايته في الوقوف عند المشترك فيهما، وهو الحكم الذاتي.
ومن المؤكد أن تقاطع مبادرتي الطرفين، المغرب والبوليساريو، في الحكم الذاتي، لا يعني أن الحل سيبقى ثابتا على الشكل الوارد في مقترح المغرب، بل رهين بتطويره عبر آلية التفاوض، وهي حالة وفرضية عبّر المغرب من ذي قبل على قبوله بها، ما دامت مبادرته المقدمة إلى الأمين العام بتاريخ 10 أبريل 2007 تنص في مادتها 33 على أن المبادرة "تشكل فرصة حقيقية لانطلاق المفاوضات للوصول إلى حل نهائي لهذا الخلاف".
فالمغرب يجعل مبادرته بالحكم الذاتي قاعدة ومنطلقا للمفاوضات من مبادرته، ويعلقها على شرط واقف في وضع حد نهائي، وانتهائي، وبات لا تعقيب عليه للنزاع، بمعنى أن الحكم الذاتي لا يمكن أن يشكل فيما بعد لبنة للمطالبة بالاستقلال.
على سبيل الختم
فهل تكفي الديناميكية الجديدة المعلنة من قبل الأمين العام الجديد، أنطونيو جوتيريس، كنهج لمفاوضات مكثفة، وبواقعية بين الأطراف لبلوغ ما فشلت فيه "النهج المبتكرة" للأمين العام السابق، بان كي مون، ومبعوثه الشخصي، كريستوفر روس؟ أم إن عنصر الثقة الغائب والوصاية لن يتركا الفرصة لإدراك الحل مهما كان متاحا ومتناولا؟
*خبير في القانون الدولي، الهجرة ونزاع الصحراء