صحيح أن الواقع يؤكد أن عددا كبيرا من أبناء المهاجرين المغاربة نجحوا في إثبات أنفسهم في مجالات عديدة بما فيها السياسية ووصلوا إلى مناصب هامة، غير أن ذلك لا يخفي واقعا آخر تعكسه حوادث إرهابية شهدتها أوروبا خلال الفترة الأخيرة كما تعكسه أعداد الأوروبيين من أصل مغربي الملتحقين بتنظيم الدولة "داعش".
أرقام مخيفة
الباحث في المعهد الملكي للشؤون الدولية "شاثام هاوس"، محمد مصباح، يرى أن هذا الموضوع صار "مؤرقا جدا" ويطرح كثيرا من التساؤلات والإشكالات وذلك في الوقت الذي تشير الأرقام إلى أن "عددا كبيرا من الجهاديين الأوروبيين هم من أصول مغاربية ومن المغرب بالخصوص".
ويشير مصباح، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إلى أن "نحو 70 في المئة من المقاتلين الهولنديين والثلثين تقريبا من المقاتلين الإسبان هم من أصول مغربية".
ويورد المتحدث أسبابا عديدة تقف وراء هذا الوضع ذات طبيعة نفسية واجتماعية وثقافية وغيرها، لافتا إلى كون "معظم هؤلاء الجهاديين الأوروبيين من أصول مغربية هم من الجيل الثالث وأغلبهم ولد ونشأ في أوروبا".
ويتابع المتحدث موضحا أن هؤلاء "تشبعوا بالثقافة الأوروبية وعاشوا في بيئة أوروبية ولكن في الوقت نفسه لم يقطعوا الصلة مع جذورهم الثقافية الأمر الذي يخلق نوعا من التشوه الهوياتي أو الضياع الهوياتي، بحيث لا يحسبون أنفسهم أوروبيين كما لا يحسبون أنفسهم مغاربة".
من المسؤول؟
بدوره، يركز الباحث المتخصص في الجماعات الإسلامية، إدريس الكنبوري على المعطى المتمثل في كون معظم أولئك الشباب الأوربيين من أصول مغربية الذين تستقطبهم الجماعات المتطرفة، هم من الجيل الثالث، مبرزا أنهم "أوروبيون، أغلبهم لا يتقنون الدارجة ولا يزورون المغرب سوى نادرا كما أنهم تعلموا في المدارس الأوروبية وعاشوا في قلب الثقافة الأوروبية" على حد تعبيره.
وأشار الكنبوري إلى كون "داعش" والتنظيمات الإرهابية "تستغل شبكة الأنترنت التي يمكن لأي شاب أن يدخلها وقد يصبح متطرفا حسب مزاجه الشخصي وردود فعله خاصة إذا كانت لديه رواسب معينة وأحقاد سابقة".
إلى جانب ما سبق يرى الكنبوري أن المغرب بدوره يتحمل جزءا من المسؤولية مبرزا أن ما يجري يطرح علامة استفهام كبيرة حول نتائج الإصلاح الديني الذي أطلقه المغرب وحول تعامل المغرب مع الجالية الموجودة في أوروبا على مستوى التأطير الديني والتوجيه والإرشاد.
وحسب الكنبوري فإن "وجود مغاربة في التنظيمات الإرهابية وتورطهم دائما في أحداث إرهابية هو إدانة للمغرب وللسياسة الدينية المغربية وشهادة تثبت فشل الإصلاح الديني المغربي" مبرزا الحاجة إلى إصلاح ديني موجه للمهاجرين المغاربة يحميهم من "التدين المشوه والمعرض لكثير من المؤثرات الخارجية".
غسل الدماغ
في سياق الحديث عن التأطير الديني لمغاربة الخارج، ينبه، الأستاذ الجامعي، المتخصص في علم الاجتماع الديني، رشيد الجرموني، إلى كون "العينات التي يتم استقطابها من طرف الجماعات المتشددة هي عينات شابة يقل سنها عن 30 عاما" إلى جانب أن "تكوينها المعرفي والديني ضعيف".
ويتابع الجرموني موضحا أن هذه الفئة "تعيش وضعية هشاشة على مستويات مختلفة" الأمر الذي يجعلها "عرضة لاستقطاب الإرهابيين" موضحا في السياق أن عوامل من قبيل ضعف أو انعدام التكوين الديني إلى جانب الهشاشة تجعل الشخص "معرضا لتقبل أفكار سطحية وأحيانا عنيفة".
وحسب المتحدث، فإن هؤلاء الشباب "يتعرضون لغسل دماغهم ويتم وعدهم بأشياء من قبيل الاستشهاد والجنة وهي خطابات بسيطة تجد قبولا لدى هؤلاء الشباب" يقول الجرموني لافتا هنا إلى الفراغ الذي يدفع لـ"مساءلة دور المؤسسات الدينية الموجودة في أوروبا".
وفي سياق حديثه عن المؤسسات الدينية يبرز المتحدث أن الإشكال يتمثل في "غياب خطاب ديني مفهوم ومقنع يصل إلى الشباب" ما يجعلهم "فريسة لمن يشتغلون عن طريق الانترنيت لاستقطابهم".